في بلد يعاني من الجفاف معظم فترات السنة وزراعة تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه وخاصة زراعة القمح، عمل المغرب منذ سنوات عديدة على تطوير أصناف جديدة من بذور القمح الصلب والشعير تستطيع مقاومة الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، وذلك بالتعاون بين المعهد الوطني للبحث الزراعي المغربي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا).
يرمي المشروع المغربي إلى تحقيق اكتفاء غذائي بحلول 2023 على مستوى محاصيل الحبوب، من خلال تعزيز البذور المعتمدة وتقديم أفضل الأصناف للمزارعين.
ختبار ناجح لبذور القمح المقاومة للجفاف في قرية مرشوش شرق الرباط
في هذه القرية الصغيرة بالمغرب على بعد حوالي 70 كيلومترا جنوب شرق الرباط، تم اختبار زرع بذور قمحٍ مقاومة للجفاف في حقلٍ بمساحة 120 هكتاراً تابع للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة “إيكاردا”، الذي يعنى بتطوير بذور، قادرة على التكيف مع المخاطر المناخية.
في هذا الصدد، أشار عالم الزراعة وولتاو تاديسي ديغو الذي يدير برنامج تطوير القمح اللين في مركز “إيكاردا”، إلى الفرق الواضح في الجودة بين هذا الحقل المزروع ببذور مقاومة للجفاف وباقي الحقول، موضحاً أنه أصبح من البديهي والضروري استعمال بذور مقاومة للجفاف على نطاق واسع.
وترسم بساتين القمح والشعير الخضراء بسنابلها الناضجة في حقل قرية مرشوش صورة مناقضة لواقع الموسم الزراعي الحالي في المغرب والمهدد بجفاف حاد للعام السادس على التوالي. وهو ما ينذر بمحصول ضعيف من الحبوب، علما أنها تشكل أساس الغذاء والواردات الزراعية المغربية.
وتراجعت المساحة المزروعة بالحبوب في المغرب من حوالى 3,7 ملايين هكتار عام 2023 إلى 2,5 مليون هكتار هذا العام بسبب الجفاف، وفقا للمصرف المركزي (بنك المغرب).
ويتوقع أن يؤدي شح الأمطار إلى تراجع محصول الحبوب إلى 25 مليون قنطار فقط، في مقابل 55,1 مليونا في 2023، بحسب المصدر نفسه.
- إمكانات هائلة لبذور القمح المقاومة للجفاف
لا تكمن أهمية البذور المقاومة للجفاف فقط في قدرتها على النضج من دون مياه غزيرة، ولكن أيضا في إنتاجيتها المرتفعة. فبينما كان مردود القمح في 2023 بالمغرب يراوح في المتوسط بين طن إلى طنين لكل هكتار، بلغ أربعة أطنان في الهكتار الواحد في قرية مرشوش، وفق تاديسي ديغو.
وسجلت هذه النتيجة على الرغم من أن مرشوش لم تستفد سوى من حوالى 200 ملمتر من الأمطار، أي نصف معدل الأمطار في الظروف العادية، بفضل أنواع مقاومة للجفاف فضلا عن إدارة زراعية فضلى مع اختيار الموعد الأنسب لنثر البذور وكميات متكيفة واللجوء الاستثنائي للري (10 ملم مياه على جزء من ال120 هكتارا).
كذلك، ارتفع محصول الشعير من معدل 1,5 طن إلى طنين في الهكتار بفضل البذور المقاومة للظروف المناخية القاسية، على ما يؤكد الخبير في تطوير زراعة الشعير في منظمة (إيكاردا) ميغيل سانشيز غارسيا.
تثير هذه الإمكانات الهائلة اهتماما واسعا عبر العالم، في ظل المنحى المتصاعد للتقلبات المناخية، حيث تعمل المنظمة الدولية في 17 بلدا بأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وقد طورت أكثر من 300 سلالة واعدة من بذور القمح، جلها في مختبراتها بالمغرب اعتمادا على تلاقح سلالات مختلفة، ويتم توزيعها سنويا لتستعمل في تسعين برنامجا للبذور المقاومة للجفاف عبر العالم، وفق ما أفاد مدير الموارد الجينية في (إيكاردا) أحمد عمري.
وتختبر سلالات البذور الواعدة هذه محليا لثلاثة أعوام على الأقل، قبل تسويق الأجود منها. وفي العقد الأخير، حظي أكثر من 70 صنفا من بذور القمح هذه بمصادقة السلطات المختصة في عدة بلدان.
- منظومة بطيئة تؤخر الاستفادة من بذور القمح الواعدة
تم ترخيص 6 أصناف جديدة لبذور القمح والشعير في 2023 في المغرب، لكنها ليست بعد في متناول المزارعين لغياب منظومة “ناجعة” للتسويق، وفق خبراء الفرع المحلي للمنظمة الدولية.
وبمجرد الترخيص لها، تعرض الأصناف الجديدة على الشركات المتخصصة في تسويق البذور، لكن عرضها للبيع يستغرق خمس سنوات.
يقول خبراء الزراعة إن بطء هذه المنظومة في المغرب يتسبب بربح فائت هام بالنسبة لبلد يعاني من موجات جفاف منتظمة، ويشهد مستوى مرتفعا من استهلاك الحبوب يقدر بحوالى 200 كيلوغرام من القمح للفرد سنويا، أي اكثر بثلاث مرات المعدل العالمي، وفق بيانات رسمية.
ويأسف مسؤول قسم التطوير في المعهد الوطني للبحث الزراعي موحا فراحي لهذا البطء ولضعف اهتمام القطاع الخاص، إذ تفضل الشركات العاملة في هذا الميدان استيراد “بذور أجنبية لضمان أرباح سريعة رغم أنها غير ملائمة للظروف المناخية للمغرب”، موضحا أن المملكة “اختارت تحرير هذا القطاع خلافا لمصر أو إثيوبيا”.